MENOUAR ABDELLATIF أصدر صورة :
رغم حقيقة أن النجوم والمجرات المتوهجة تشع عبر الكون فإن الكون ظلام دامس بدلاً من أن يكون مضاءً. هذا التناقض الظاهري معروف باسم مفارقة أولبرز Olbers' Paradox.
يقول "كارين كويتر" Karen B. Kwitter، أستاذ الفلك في كلية "ويليامز" في ولاية ماساتشوستس: "نحن نرى النجوم حولنا، فلماذا لا يجتمع ضوئها ليضيء سماء الليل والفضاء المحيط؟". اقترح الفيزيائي الألماني هاينك ويلهلم أولبرز Heinrich Wilhelm Olbers هذا اللغز بهذه الطريقة عام 1823: "إن كان الكون لا نهائي الحجم، وكانت النجوم -أو المجرات- متوزعة على مدى هذا الكون اللانهائي، فنحن بالتأكيد سنرى نجماً مهما كان الاتجاه الذي ننظر إليه. وكنتيجة لذلك يجب أن تكون السماء متوهجة، فلماذا ليست هي كذلك؟".
في الحقيقة، السؤال أعمق مما يبدو عليه. كانت هناك العديد من المحاولات لتفسير هذا اللغز على مر السنين، والذي عُرف "بمفارقة أولبرز"(Olbers' Paradox). إحدى المحاولات اعتبرت الغبار بين النجوم وربما بين المجرات هو السبب. كانت الفكرة بأن الغبار سيحجب الضوء القادم من الأجسام البعيدة، جاعلًا بذلك السماء مظلمة. لكن في الواقع فإن الضوء الواقع على الغبار سيؤدي بالنهاية لتسخينه، وسيتوهج بمقدار توهج مصدر الضوء.
جواب مقترح آخر للمفارقة يقول بأن الانزياح الأحمر (red shift) للمجرات البعيدة أي إطالة الطول الموجي للضوء المنبعث بسبب توسع الكون - هو المسؤول عن إخراج الضوء من المدى المرئي إلى مدى الأشعة تحت الحمراء غير المرئية. لكن إن كان التفسير صحيحًا، كان ليزاح أيضًا أقصر ضوء موجي للأشعة فوق البنفسجية إلى المدى المرئي، وهذا الأمر لم يحصل.
أفضل حل لمفارقة أولبرز في الوقت الحاضر تنقسم إلى جزئين. حتى إن كان كوننا كبيراً بشكل لا نهائي، فهو ليس قديماً إلى ما لا نهاية. هذه النقطة مهمة لأن الضوء يسافر بسرعة 300000 كم في الثانية. نستطيع رؤية الشيء فقط عندما يصلنا الضوء الذي ينبعث منه. في حياتنا اليومية ذلك التأخير في الوقت صغير: حتى أنه في شرفة قاعة الحفلات، سترى قائد الفرقة يرفع عصاه بعد أن يرفعها فعلاً بأقل من جزء من مليون جزء من الثانية.
عندما تزداد المسافة، يزداد التأخير في الوقت. على سبيل المثال، يشهد رواد الفضاء على القمر تأخراً بمقدار 1.5 ثانية في اتصالهم مع قيادة البعثة بسبب الوقت الذي يلزم الإشارات الراديوية (والتي هي شكل من أشكال الضوء) للسفر في رحلة ذهاب وإياب من الأرض إلى القمر. معظم الفلكيين متفقون على أن عمر الكون من 10 إلى 15 مليار سنة. هذا يعني أن المسافة القصوى التي نستطيع استقبال الضوء منها تقع بين 10 إلى 15 مليار سنة ضوئية. لذا، حتى لو كان هناك المزيد من المجرات البعيدة، لن يكون لضوئها الوقت الكافي حتى الآن ليصل إلينا.
الجزء الثاني من الجواب يكمن في حقيقة أن النجوم والمجرات ليست خالدة. بالنهاية، ستخفت. سنرى هذا التأثير قريبًا في المجرات القريبة، والفضل في ذلك يعود لوقت السفر الأقصر. مجموع هذه التأثيرات هي أن جميع الظروف اللازمة لتكون السماء مشرقة لم تكن موجودة في أي وقت من الأوقات. لن نستطيع مشاهدة الضوء القادم من المجرات أو النجوم التي يفصلها عنا مسافات مختلفة بنفس الوقت: أما أن الضوء من الأجسام البعيدة لم يصلنا حتى الآن، وإن فعل، سيكون قد مر الكثير من الوقت على تلك الأجسام المجاورة وستصبح ميتة ومظلمة.